كتب – علي تمام اعتماد الرئيس السيسى عشرة مليارات جنيه فى العام المالى الجديد لتنمية سيناء والتى تمثل 6% من مساحة مصر البالغة مليون كيلومتر مربع. وبهدف مضاعفة التأثير الأيجابى لتلك الموازنة الضخمة لتؤتى بثمارة على أهل سيناء شحذت العديد من مؤسسات الدولة طاقاتها للمساهمة فى وضع الخطط والحلول العلمية للتنمية المستدامة بسيناء.
ومن أهمها تصميم منازل موفرة للطاقة والمياة يتم تصميمة خصيصا لآهل سيناء ويجرى حاليا تنفيذ نموذج بمحافظة شمال سيناء والمتوقع انتهاؤه قبل نهاية هذا العام. مشروع المنازل الذكية لبدو سيناء يتم بالتعاون أكاديمية البحث العلمى كجهة تمويل والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى كمنفذ لهذا المشروع الواعد بالتعاون مع علماء من كليتى الهندسة والفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية.
بداية يقول الدكتور محمد الغمرى مساعد رئيس الأكاديمية البحرية للبحوث التطبيقية والباحث الرئيسى بالمشروع، ان العادات الموروثة ومن أهمها الخصوصية تشكل نمط الحياة لعدد كبير من بدو سيناء وهو ما يعكسه طبيعة العيش فى تجمعات صغيرة تتكون من عدد قليل من الأسر تربطهم صلات نسب أو مصاهرة.
ولذلك هدفنا الى تقديم منزل أنيق يحاكى التقاليد البدوية من جهة وتوفير الأكتفاء الذاتى من الطاقة والمياه لساكنيها بدلا من أن تتحول الى عبئً على مصادر الطاقة والمياه من جهة اخرى. مع الأخذ فى الأعتبار أن توفر تلك المنازل حياة كريمة بها من عناصر الرفاهية والجمال التى يتمتع بها سكان الحضر. وهو ماجعل الفريق البحثى يتخذ شعارا لجميع عناصر المشروع وهو الهروب الى الطبيعة.
ويضم المنزل الذكى ثلاث غرف إحداها تحت سطح الأرض. وكما هو معلوم فإن درجات الحرارة تحت سطح الأرض تنخفض بما يعادل سبع درجات مئوية حيث تعمل التربة تحت السطح كمبرد طبيعى لجوانب تلك الغرفة. وهو ما يجعلها بمثابة مهربا من حرارة الصيف القاسية بالصحراء.
ويستطرد الدكتور الغمرى انه تم مراعاة جلب تيار هواء طبيعى من السطح العلوى الى الغرفة السفلى. حيث يتيح تصميم المنزل تبريد الهواء عند الحاجة من خلال وسائل التبريد البخيرى Evaporative cooling ومن ثم الدخول لتلك الغرفة لتوفير التهوية الطبيعية واستعواض ثانى أكسيد الكربون بالأكسجين. ومع مرور الهواء بتلك الغرفة الباردة تحت سطح الأرض تنخفض درجة حرارة الهواء الى ما دون 25 درجة مئوية فى أيام الحر الشديد.
كما يتم الاستفادة من هذا الهواء البارد لتبريد الجناح الجنوبى (القبلى) من المنزل من خلال ممرات للهواء مدفونة داخل جدران المنزل تم تصميمها لطرد الهواء البارد بغرفة المعيشة العلوية والتى تقع فى الأتجاه القبلى من المنزل علما بأن غرفتى النوم العلويتين تم تخطيطهما بواجهة المنزل الشمالية (البحرية) لتتمتع جميع غرف المنزل بهواء شمالى بارد لتوفير تهوية طبيعية والإستغناء عن التكييفات الشرهة فى استهلاك الطاقة الكهربية.
وبحسب الدكتور الغمرى بذلك نواجه الجزء الاول من اسباب الإحساس بالضيق نتيجة البقاء داخل البدروم والذى ينتج عن بسبب ضعف التهوية والإضاءة الطبيعية. ولحل مشكلة الاضاءة من خلال تزويد سقف الغرفة بأسطوانة معدنية بقطر خمسين سنتيمتر تم تصنيعها بسطح عاكس لتنكسر عليه إضاءة الشمس حتى تصل للغرفة السفلية. وبذلك نكون استطعنا إنارة الغرفة بشكل طبيعى خلال فترة النهار مما يبدد الإحساس بالتواجد تحت سطح الأرض من جهة وكذلك توفير الطاقة الكهربية المستخدمة بالإنارة نهارا من جهة اخرى. علما بإن شدة الإضاءة التى يتم نقلها تساوى شدة الإستضاءة التى تصدرها الكشافات من نوع ميتال هاليد بقدرة 400 وات.
والى جانب جمال الوظيفة يحمل هذا المنزل الذكى جمال الشكل أيضا، فيقول الدكتور الغمرى عن الشكل المعمارى الخارجى للمنزل إنه تم تصميم واجهة المنزل الشمالية بطراز معمارى فريد على شكل جدار حاضن للحصول على أكبر قدر من الهواء. كما تم تزيينه بنقوش فنية استخدمت مفرداته من الخط العربى لتسطر أبياتا من الشعر العربى تمجد العادات العربية الأصيلة.
وأوضح ان دور الجدار الحاضن هو تجميع الهواء الشمالى وتوجيهه لفتحة تتوسط الجدار لترتفع سرعة الهواء بنسبة 40% عن سرعته الأصلية طبقا لحسابات المحاكاة التى تم تنفيذها ومن ثم يتم توجيهه الى الغرفة السلفية فى الأيام مرتفعة الحرارة بعد تبريده، أوامكانية استخدامه بشكل مباشر فى توليد طاقة كهربية من خلال تمريره على تربينة أفقية لتوليد التيار الكهربى فى الأيام الباردة حيث يتم تحويل مسار الهواء بشكل ألى طبقا لدرجة الحرارة الخارجية والداخلية من خلال منظومة ألكترونية تم تصميمها لهذا الغرض. كذلك يتم استغلال السطح الجنوبى للجدار الحاضن لتثبيت خلايا توليد الطاقة الكهربية من الطاقة الشمسية وسخان المياه الشمسى.
هذا الابتكار فى التصميم يضاهيه الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى البناء والدهان بهدف تقليل كمية الحرارة المتسربة الى داخل المنزل صيفا وكذلك البرودة فى الخارج شتاء حيث تم تشييد المنزل بطوب أسمنتى مجهز بمادة عازلة داخليا بسمك 5 سنتيمتر وهو ما يعنى خفض معدل درجات الحرارة المتسربة بما يعادل 50% إذا ما قورنت بالطوب الأحمر التقليدى طبقا لحسابات المحاكاة.
كما تم استخدام دهانات مبتكرة شفافة لها القدرة على عزل حرارة الشمس نهارا مع السماح بمرور الضوء. وذلك عن طريق تخليق مركبات خاصة باستخدام النانو تكنولوجى لمعاجة الأسطح الزجاجية لنوافذ المنزل بحيث تحجب 95% من الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية بينما تسمح لـ 70% من الأشعة المضيئة من النفاذ. وهو ما يوفر لساكنى المنزل عدة مزايا منها خفض التأثير الحرارى للشمس ومنع تغيير ألوان المفروشات والحماية من الأشعة المسببة للسرطان مع السماح بمرور الأشعة المرئية لتوفير بيئة مضيئة صحية والحد من استخدام أجهزة التكييف والإضاءة الصناعية.
ويشير الدكتور الغمرى إلى طبيعة المعيشة فى حياة البدو التى تتمركز كل مجموعة من الأسر على مسافات متباعدة تفرض تحديات أمام توفير خدمات ضرورية مثل مياه الشرب والكهرباء التى تشكل صعوبة كبيرة نظرا لتباعد تلك التجمعات عن بعضها البعض وقلة عدد الأسر فى تلك التجمعات.
ويشير الى ان الفريق البحثى قدم عددا من الحلول لمواجهة التحديات المحيطة بنجاح هذه المنظومة المتكاملة للمنازل الذكية ومن بينها مشكلة توفير مياه فى تلك الأماكن النائية فقد لجأنا فى مشروعنا الى تركيب محطات رفع مياه من الآبار الأرتوازية بالطاقة الشمسية. كما تم تصميم جهاز لتكثيف المياه من الهواء وإنتاج 30 لتر من مياه الشرب يوميا. كما يقيس الجهاز نسبة الرطوبة بالهواء ليعمل على تكثيفها فى حال أرتفاعها عن 50% أيضا تم تلافى الهدر فى مياة الشرب عند استخدام الحنفيات المنزلية وذلك من خلال تصميم صمام ميكانيكى يعمل على فتح سريان الماء بمجرد دفع ذراع فى منتصف الصمام عند وضع اليدين أسفل الصمام كما يعمل على غلق سريان المياة بمجرد أبعاد اليدين من أسفل الصمام بما يضمن توفير ما يقارب من 70% من المياه المستخدمة. وتم إلحاق المنزل بمنظومة لمعالجة المياه الرمادية لآعادة أستخدامها فى الزراعة.
وحاليا يعمل الفريق البحثى على وضع تصميم لمبنى سكنى من خمسة أدوار بهدف تطوير اسكان اجتماعى صديق للبيئة يعتمد على التهوية الطبيعية لتوفير استهلاك الطاقة. مشيرا الى مشروع المنزل الذكى المطابق للمواصفات البيئية والموفر للطاقة المستخدمة داخل البيوت من خلال إنتاج الطاقة الشمسية سيكون له دور كبير فى بناء مناطق ومدن محافظة شمال سيناء وسيكون بداية لتطوير ونهضة تلك المحافظة